الاثنين، 26 ديسمبر 2011

رؤية "جبهة إنقاذ الثورة"

القلق على الثورة.. لماذا؟ 
لدى اليمنيون، خاصة الثوار في الساحات، أسباب حقيقة ومعطيات ملموسة على الواقع تحملهم على القلق على الثورة اليمنية، وأسباب ومعطيات القلق هذه ترتبط في مجملها بالأداء السياسي للأحزاب ومن محاولة فرض المبادرة الخليجية كمُسلمة وطنية حتى لو تعارضت أو أعاقت تحقيق أهداف الثورة.
وبعيداً عن اتهام الأحزاب السياسية بمحاولة احتواء الثورة وتسخيرها لتحقيق أهداف ومصالح هذه الأحزاب وعقد تسويات سياسية فيما بينها ومع بقية القوى المتحالفة أو المتعارضة معها بقصد تحقيق هذه الأهداف؛ بعيداً عن توجيه الاتهامات، يأتي موقفنا بناءً على تقييم المبادرة الخليجية وأداء الأحزاب السياسية الموقعة عليها، خاصة أحزاب المعارضة، وفق مدى قدرتها على تحقيق أهداف ومطالب الثورة، وإذا ما كان ذلك ينسجم مع روح التغيير ومطلب "الدولة المدنية" الذي نادت به الثورة اليمنية.
وهذا التقييم هو تعبير عن حرصنا على العمل والحوار مع كل الأطراف اليمنية تحت سقف وطني يتفق ويحقق أهداف الثورة، ولا يهدف إلى التشكيك أو توجيه اتهامات واحتكار تمثيل الثورة. كما لا ينطلق بأي شكل من الأشكال باتجاه النيل من وطنية وحق أي طرف يمني في المشاركة في الحوار والسلطة والقرار.


أسباب ومعطيات القلق على الثورة
نقاط مفصلية
رفض الثوار المبادرة الخليجية في عموم اليمن، كان الرفض بالإجماع وعلنياً وسمع به الجميع، إلا أن الأحزاب السياسية التي قالت أنها مع الثورة وقامت بتشكيل "المجلس الوطني" للتمتع بشرعية التفاوض كممثل للثورة لم تعر هذا الرفض أي انتباه، وذهبت منفردة للتفاوض على المبادرة الخليجية ثم التوقيع عليها في نهاية المطاف.
إن هذا الأداء وطريقة تعاطي الأحزاب والنخب السياسية مع رفض الثوار للمبادرة هو نقطة مفصلية توضح عدم استيعاب هذه الأحزاب والنخب لمشروع ومشروعية الثورة، وتم التعامل مع الثورة كوسيلة سياسية دون إبداء أي مسئولية تجاه مواقف الثوار من المبادرة.
قدمت الأحزاب والنخب السياسية نفسها كممثل للثورة، إلا أنها لم تعر أي اهتمام لموقف الثوار من المبادرة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أنها حتى لم تتعامل بجدية مع الأسباب التي بسببها رفض الثوار المبادرة، الأسباب التي كان في مقدمتها: عدم الموافقة على التفاوض مع السلطة التي قتلت الثوار وسخرت كل مقدرات البلد لخدمة مصالحها، والرفض التام لمنح حصانة لرموز النظام للنجاة بجرائمهم والسماح لهم بالهروب بثروات البلاد التي نهبوها على مر عقود.
حتى مع القول بأن الذهاب إلى التفاوض حول المبادرة ضرورة سياسية تفهمتها الأحزاب والنخب السياسية بسبب طبيعتها السياسية واختلافها عن الطبيعة الثورية، وبسبب ضغوط المجتمع الدولي أيضاً، إلا أن هذه الأحزاب والنخب التي قدمت نفسها كممثل للثورة لم تتعاطى مع أسباب رفض الثوار للمبادرة ووضع هذه الأسباب كشروط سياسية تمثل الطرف الذي يتفاوضون باسمه؛ فقبلت التفاوض مع النظام والمشاركة في حكومة وفاق مناصفة مع الحزب الحاكم ومرشح رئاسي لفترة انتقالية، ولم تشترط أن يخضع هذا الشريك لمعايير وطنية وتفرض على حزب المؤتمر الشعبي العام رفع الغطاء السياسي عن كل المتهمين بالفساد وقتل الثوار، باعتبار ذلك مسئولية وطنية تخضع لها كل أطراف العمل السياسي، وتمليه المسئولية الوطنية لحزب حاكم وسيشارك مناصفة في الحكومة الانتقالية.
إن عدم وضع الأحزاب والنخب السياسية المتحدثة كممثل للثورة لهذه الشروط ينبئ عن عدم اتساق أداء الأحزاب السياسية مع الثورة ومشروع التغيير الذي تنادي به؛ ويكشف بجلاء أن أدائها يتعارض كلية مع الواقع الذي فرضته الثورة، وعجز نخبها ومؤسساتها عن استيعاب منجز الثورة واستثماره في بناء الدولة المدنية التي تبنتها لعقود كمشروع وطني في أدبياتها.
والأكثر إقلاقاً على الثورة، لا يقف فقط عند عجز الأحزاب على إنجاز التغيير المنشود كحامل سياسي للثورة، بل أن الملاحظ أنه بموازاة عجز الأحزاب يذهب أدائها لتكريس سمات وملامح السلطة السابقة التي قامت ضدها الثورة.
مقارنة تقييمية
منذ اللحظة الأولى للثورة في اليمن، ارتبطت مطالب التغيير وأهداف الثورة ارتباطاً وثيقاً بـِ"السلمية" كخيار وطني ووسيلة للتغيير؛ كما ارتبط شعار التغيير كهدف عام للثورة بـِ"الدولة المدنية" كإطار عام ومحددات ومعايير وطنية لما بعد الثورة. وبنفس الإصرار الذي أبداه الثوار على سلمية الثورة، كان ولا يزال ثمة استعداد لتقديم أي تضحيات في سبيل تحقيق الثورة.
بينما ركزت المبادرة الخليجية والأداء السياسي للأحزاب على منع تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في اليمن وعدم الدخول في حرب تكون كلفتها الإنسانية والمادية كبيرة، وقُدمت التسوية بين السلطة والمعارضة كحل وضمانات على انتقال سلس للسلطة؛ لكن في المقابل لم تتحدث المبادرة ولا قدمت الأحزاب الموقعة عليها أي ضمانات تسمح بانتقال السلطة بما ينسجم مع التغيير ويحقق مطالب الثورة.
وقبل كل ذلك، لا يبدو أن الأحزاب- خاصة أحزاب المعارضة التي شكلت "المجلس الوطني" واحتكرت تمثيل الثورة- كانت مهتمة بوضع شروط ومعايير وأولويات وطنية تتفق مع أهداف الثورة؛ وهو ما لمسه اليمنيون في عدم وضوح معايير تشكيل حكومة الوفاق الوطني، وقبلها في اللجنة العسكرية، ما أفصح عن صفقة تسوية سياسية أنجزتها النخب السياسية، حيث تم التركيز على خلق اتفاق افتقر إلى الشروط والمعايير الوطنية دون التباس.
وأكثر من كون "المبادرة" لا تتفق مع أهداف الثورة، بل وتتعارض معها وتعمل على احتواء الثورة ومشروع التغيير؛ أكثر من ذلك، اتسم أداء الأحزاب السياسية قبل وخلال وبعد التوقيع على المبادرة بنفس أداء السلطة السابقة، عبر الالتفاف على المطالب والقضايا الوطنية بشغل الرأي العام بقضايا ثانوية لا تحقق المصلحة الوطنية، واعتماد التخويف والتهويل على الرأي العام بالترافق مع فرض الأمر الواقع ومنطق القوة عبر التحالف مع قوى وأطراف يمنية محدودة والسعي لحصر عملية التسوية السياسية داخل نطاق ضيق من القوى السياسية والاجتماعية والعسكرية.
الالتفاف على المطالب والقضايا الوطنية وشغل الرأي العام بقضايا لا تحقق المصلحة الوطنية، واعتماد التخويف والتهويل سياسية فرض الأمر الواقع ومنطق القوة، وتكريس التحالف مع قوى وأطراف يمنية محدودة وحصر عملية "التسوية السياسية داخل نطاق ضيق من القوى السياسية والاجتماعية والعسكرية.. هذه هي السمات تنطبق كلية على أداء السلطة التي خرج اليمنيون مطالبين بإسقاطها وإحداث تغيير جذري في واقع الدولة والمواطنين؛ وللأسف الشديد ينطبق أيضاً على أداء الأحزاب السياسية بدءً من تشكيل "المجلس الوطني" وحتى تسمية "اللجنة العسكرية" وتشكيل"حكومة التوافق". 
وبشكل مباشر، فإن التقييم المسئول للمبادرة ولأداء الأحزاب السياسية يفضي إلى نتيجة غير مبشرة، وهي أن التسوية الجاري تسويقها حالياً تعمل على إدارة الخلاف بين أطراف السلطة والنخب والقوى السياسية على حساب أهداف ومطالب الثورة. وأن جميع القوى الموقعة للمبادرة والأطراف الداعمة والداعمة لها داخلياً وخارجياً تتعامل بخفة وبلا جدية مع الثورة في اليمن ومطالب التغيير.
من هنا تفاقم شعورنا بالقلق الشديد على الثورة، ليس فقط من النظام الذي خرج الثوار في عموم البلاد مطالبين بإسقاطه على اعتبار ذلك خطوة أولى ضرورية لبناء "الدولة المدنية"؛ وليس فقط من رموز النظام الذي قتلوا الثوار ونهبوا ثروات الوطن ولم يحالوا إلى المحاكمة، بل ومن الأحزاب التي يتجلى من أدائها أنها لا تتعامل مع الثورة بالجدية التي توقعها اليمنيون منهم، ولم تضع ضمن أولوياتها المعايير الوطنية التي تكفل تحقيق أهداف الثورة على المدى القريب والبعيد. 
إن قلقنا على الثورة ناتج عن كون الأولويات التي تحكمت بالأداء السياسي أولويات جزئية لا تتفق مع روح الثورة وأهدافها، وكون النخب السياسية لم تحتكم إلى معايير وطنية للدولة وكرس أدائها السياسي نفس مشاكل نظام صالح، بالاعتماد على صناعة تسوية سياسية آنية تقوم على فرض أجندة ومصالح تحالف أطراف بعينها على حساب الوطن والمواطن.
إرادة ثورية
رغم هذا الوضع المقلق والذي يزيد من التحديات التي تواجهها الثورة، إلا أننا نرى أن هذا الواقع بحاجة إلى التحلي بإرادة قوية للتغيير وبالمسئولية الوطنية من قبل الجميع، وفي مقدمتهم الثوار، من أجل تحقيق أهداف الثورة ووضع الأسس الوطنية الصحيحة لحل كل المشاكل التي خلفها النظام وبناء الدولة المدنية الحديثة؛ وهو حتماً ما يفرض اصطفاف وطني واسع وإرادة حقيقية وتعاطي جاد مع كافة التحديات.
وكما أن الثورة شكلت حاملاً للتغيير وإسقاط النظام، سيكون الاصطفاف الوطني لإنقاذ الثورة حاملاً لإنجاز التغيير وتحقيق أهداف الثورة، والعمل مع الجميع للدفع بكل الأطراف والقوى الوطنية اليمنية، السياسية والاجتماعية، إلى العمل تحت سقف وطني يحمي ويحقق مصالح كل اليمنيين، والتي في مقدمتها إنجاز تغيير جذري وبناء دولة مدنية حديثة تتسع للجميع ونظام قادر على حل القضايا الوطنية وتحقيق التنمية والرفاه لجميع المواطنين.

موقف "جبهة إنقاذ الثورة"
بناء على ما سبق، فإننا ندعو إلى اصطفاف وطني واسع حول الثورة اليمنية، وتكوين جبهة ثورية وطنية لإنقاذ الثورة عبر إعادة صياغة التسوية السياسية بالانطلاق من أولويات وطنية تتفق مع مشروع الدولة المدنية الذي يحقق مطالب اليمنيين ويحقق نقلة نوعية في شكل النظام ومسئولية السلطة ومعايير تقييمها ومحاسبتها، وتحديد آليات واضحة لحماية ذلك قانونياً وسياسياً واجتماعياً.
إننا ندعو كل اليمنيين إلى تكوين جبهة وطنية واسعة لإنقاذ الثورة، عبر النضال السلمي وحمل كل النخب والقوى السياسية والاجتماعية على تقديم ضمانات وتعهدات لتحقيق المشروع الوطني، ورفض أي تسويات سياسية تفضي إلى استلام السلطة دون أن يكون لديها برنامج واضح ومعلن ويمكن تقييمه وطنياً.
وإننا نرفض رفضاً قاطعاً التسوية السياسية المشوهة والشبيهة بنظام صالح أكثر من انتمائها للثورة، ونحمل النخب السياسية كامل المسئولية الوطنية والأخلاقية عن تبعات المضي في إدارة البلاد بهكذا تسويات منفردة وغير مسئولة وتفضي إلى إجهاض مشروع الثورة في إنجاز تغيير حقيقي وجذري على كل الأصعدة. وندعو إلى العمل تحت أولويات وبرنامج وطني وتقديم استراتيجية واضحة لإدارة البلاد وحل المشاكل التي خلفها النظام السابق.
وإذا ما كنا نحمل النخب والقوى السياسية كامل المسئولية الوطنية والأخلاقية عن أي إجهاض لمشروع الثورة، وعن الأداء الإقصائي واللا مسئول تجاه الثورة والقضية الوطنية؛ فأننا نعلن بأننا وكل اليمنيين لسنا بمعزل عن تحمل المسئولية الوطنية والأخلاقية لفشل الثورة والالتفاف على مطالبها وأهدافها. وأننا جميعاً، وبلا استثناء، نتحمل مسئولية وطنية وأخلاقية جسيمة تجاه ما ستئول إليه الأمور في البلاد.
ومن واقع هذه المسئولية الوطنية، يأتي الإعلان عن تأسيس جبهة حماية الثورة ودعوة الجميع بلا استثناء للمشاركة في صياغة مفردات المشروع الوطني وحماية أهداف الثورة وبناء "الدولة المدنية" التي تكفل الديمقراطية والحرية والعدالة والمشاركة السياسية لكل اليمنيين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق